بعد اثنين و عشرين يوما أعلنت إسرائيل عن وقف إطلاق النار من جانب و احد بعد نقاش طويل للكابينت الأمني و السياسي حيث انتهى بموافقة احد عشر عضوا مع القرار و رفض اثنين. الأول هو رئيس شاس أيلي يشاي الذي طالب باستمرار العمليات العسكرية و توسيعها حتى اقتلاع حماس، و الثاني وزير المالية روني باراون الذي اعترض على قرار وقف إطلاق النار دون أن يشمل انسحاب فوري للقوات البرية لكي لا يتعرض حياة الجنود الإسرائيليين للخطر.
إسرائيل تعتبر نفسها حققت أهدافها من عملياتها العسكرية بنفس الفترة الزمنية التي تم تحديدها مسبقا، وهي من أسبوعين إلى ثلاث أسابيع، و بخسائر اقل مما تهيأت له حيث لم تخسر سوى عشر جنود و ثلاث مدنيين، و بجبهة داخلية متماسكة و داعمة. و الأهم من كل ذلك أن قدرة حماس الصاروخية كانت حوالي خمسة عشر بالمائة مما توقعته إسرائيل.
من الواضح أن هذه الحرب كانت عبارة عن مناورة بالذخيرة الحية لتطبيق كل العبر و الدروس من حرب لبنان، و التي كان أهمها الإعداد الجيد للقوات ، تجهيز قوات الاحتياط قبل إرسالها للجبهة، التنسيق بين الأذرع المختلفة للجيش، تحديد أهداف قابلة للتنفيذ، و الحفاظ على حياة الجنود حتى وان كان الثمن سقوط عدد كبير من الضحايا في صفوف الطرف الآخر.
إسرائيل منذ البداية وقبل البدء في عملياتها العسكرية حددت المهمات التي يجب انجازها كحد أدنى و التي تعتبر مقياس للنجاح و الفشل. الهدف الأول هو استعادة قوة الردع الإسرائيلية التي تم المساس بها بشكل كبير في حرب لبنان، هذا الأمر قد تحقق من خلال قوة الضربات التي تم توجيهها برا وبحرا وجوا، و ثانيا استعادة الثقة بالجيش الإسرائيلي لدى الشعب الإسرائيلي الذي فقدها أيضا في حرب لبنان، هذا الهدف أيضا قد تم تحقيقه بشكل كبير، و كان واضحا من خلال كلمات اولمرت وباراك و مديحهم غير المحدود لرئيس هيئة الأركان اشكنازي و قائد القوات يوآف غلنت الذي كان من أكثر المتحمسين لهذه الحملة العسكرية.
و الهدف الثالث هو تدمير قدرة حماس العسكرية من خلال ضرب مخازن السلاح و التصنيع و منصات إطلاق الصواريخ، وقتل اكبر عدد ممكن من المقاتلين، وتدمير شبكة الأنفاق الممتدة على طول الحدود مع غزة و كذلك شبكة الأنفاق الداخلية التي استثمرت بها حماس كل طاقتها و كانت جزء أساسي من منظومة الدفاع التي اكتسبوها من تجربة حزب الله و إيران، كل هذا تم تحقيقه بشكل كبير جدا. و الهدف الرابع هو منع تهريب السلاح إلى غزة من خلال منظومة دولية متطورة و هذا الهدف تم تحقيقه نسبيا من خلال الاتفاق مع الولايات المتحدة و الاستعداد الدولي للمساهمة في هذه المهمة، وأخيرا أن تفكر حماس جيدا قبل أن تطلق صاروخ.
إسرائيل منذ البداية قررت عدم التورط في احتلال غزة في المرحلة الحالية، و قررت أن لا تسقط حكم حماس بشكل نهائي بل إضعافه و تطويعه، تماما كما فعلوا مع السلطة في العام 2002 ، هذه الأهداف تحتاج إلى وقت أطول إسرائيل لا تمتلكه في الوقت الحالي لسببين، الأول هو الانتخابات الإسرائيلية في العاشر من الشهر المقبل و الثاني هو تبادل الرؤساء في الولايات المتحدة.
و على الرغم أن القرار أحادي الجانب إلا أن إسرائيل أشارت بشكل واضح أن هذا القرار يأتي منسجما مع المبادرة المصرية أو على الأقل لا يتناقض معها. و عليه هذا لا يتناقض مع الجهد المصري لإقناع حماس بقبول وقف إطلاق النار و مواصلة البحث عن مخارج للقضايا الأخرى مثل معبر رفح و المعابر الداخلية، إضافة إلى استئناف المفاوضات لإعادة الجندي الإسرائيلي شاليط.
التقدير الإسرائيلي أن ما يهم حماس الآن سواء كان في الداخل أو الخارج هو عدم الظهور بمظهر المهزوم من هذه الحرب. ولكن هناك تمييز بين موقف حماس في الداخل الذي اكتوى بشكل مباشر على مدار ثلاث أسابيع من النيران الإسرائيلية و بين موقف قيادة حماس في الخارج الذي يريد أن يثبت لأسياده في دمشق وطهران أنهم لم يهزموا و أن ما استثمروه وما زالوا بهم لم يذهب هباء.
قيادة حماس في الداخل تريد أن تخرج من ملاجئها لكي تستعيد سيطرتها وهيبتها في غزة، و هذا لن يتم إلا إذا كان هناك التزام كامل بوقف النار. و لكن من غير المؤكد أن هذه القيادة ما زال لديها القدرة على ضبط الفصائل الأخرى في غزة. أما التقدير الإسرائيلي حول موقف حماس الخارج من قرار وقف إطلاق النار هو يعتمد على ما يريده الأسياد في إيران وسوريا الذين يريدون أن يحافظوا على هذا الجرح مفتوحا و ملتهبا إلى أن يأتي السيد اوباما و يقرر سياسته تجاه هاتين الدولتين. التقدير أن الفارق في الموقفين بين الداخل و الخارج أصبح كبيرا جدا، و أن ما تقوله قيادات حماس في المؤتمرات و الفضائيات ليس له رصيد على ارض الواقع.
و عليه إسرائيل غير متأكدة من الالتزام الكامل من قبل حماس و الفصائل الأخرى بعدم إطلاق صواريخ من منطلق المماحكة و إيصال الرسائل أن المقاومة ما زالت مستمرة. في هذه الحالة إسرائيل لن تتردد في توجيه ضربات قاسية دون الاكتراث لرد الفعل، ولكن هذه المرة متسلحة بموقف دولي داعم و متفهم لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.